فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولنفرض أن ثلاثة من الشباب جمعت بينهم الصداقة ثم انحرف منهم اثنان والْتزم واحد منهم. وكان لأحد المنحرفين أُخت فيطلب زميله المنحرف يد هذه الأخت، ويأتي له الصاحب الذي لم ينحرف ليطلب الأخت نفسها، هنا نجد الأخ لا يوافق على زواج أخته بالمنحرف، بل يوافق على زواجها من الذي لم ينحرف؛ لأنه لن يخدع نفسه. وعندما يعاتبه المنحرف فهو يرد عليه: وهل أستأمنك على أختي؟ أنا أعرفك حق المعرفة.
وهكذا نرى أن القيم هي القيم. وعندما يكون هناك إنسان على حق ويلتقي بأناس على باطل نجدهم لا يتركونه وشأنه، ولأنهم لن يستطيعوا أن يكونوا مثله فلا أقل من أن يهزأوا منه حتى يحتفظوا لأنفسهم بفسادهم. وعندما ننظر إلى العادات الضَّارة التي تنتشر، مثل شمّ الهيروين أو تدخين المخدرات نجد أن الذي وقع في مصيدة هذه المصائب يريد أن يجر غيره إلى مثل هذا المستنقع. ونجد في القرآن ما يقوله لنا خالق الطباع والعليم بها: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 29-30].
مثل قول أهل الباطل للمؤمن: احملنا إلى الجنة على جناحك. أو: أتريد أن تكون وليًّا. {وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ} [المطففين: 31].
ويرجع الواحد منهم إلى أهله فيحكي بسرور: لقد قابلنا إنسانًا غارقًا في الإيمان وسخرنا منه: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين: 32-33].
بل قد نجد أن أهل الإضلال يتهمون المؤمن بأنه على ضلال، فماذا يكون العقاب يوم الحشر؟ {فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ عَلَى الأرائك يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المطففين: 34-36].
وكأن الحق يسأل المؤمنين: ألم آخذ لكم حقكم؟ إذن فالذين يتخذون الدين هُزُوًا ولعبًا. وادعوا الإيمان نفاقًا. إياكم أن تأمنوا لهم.
ولقد حذرنا الحق بداية: {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51].
وهنا أمر بعدم اتخاذ الذين يتخذون الدين مادة للهزء أولياء، وعلى المؤمنين اليقظة والحذر؛ لأن الحق يقول: {واتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فإن كنتم مؤمنين حقًا فعليكم الأخذ بيقظة الإيمان، عليكم ألا توالوا اليهود والنصارى وكذلك من يتمسح في الإيمان نفاقًا ويريد الانتفاع بمزايا الإسلام ليأخذ حقوقه الظاهرية وقلبه مع غير المؤمنين. وتقوى الله تبدأ من أن ينفذ المؤمن المنهج، ويحاول أن يستبقي للمنهج مناعة اقتداره أمام خصومه بألا يُدخل المؤمنُ في حماية المنهج من لا يؤمن من اليهود والنصارى والكافرين والمنافقين. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)}.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت، وسويد بن الحارث، قد أظهرا الإسلام ونافقا، وكان رجال من المسلمين يوادّونهما، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتَّخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا} إلى قوله: {أعلم بما كانوا يكتمون}.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير عن ابن مسعود. أنه كان يقرأ {من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{الَّذِين} وصلتُهُ هو المَفْعُولُ الأوّلِ لقوله: {لا تتَّخِذُوا}، والمفعُول الثاني: هو قوله: {أولِيَاء}، و{دِينُكُم} مَفْعُول لـ {اتَّخذُوا}، و{هُزُوًا} مفعول ثان، وتقدَّم ما في {هُزْءًا} من القِراءَات والاشْتِقَاق.
قوله تعالى: {مِّنَ الذين أُوتُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: أنَّهُ في محلِّ نَصْبٍ على الحَالِ، وصاحِبُها فيه وجهان:
أحدها: أنَّهُ الموصول الأوَّل.
والثاني: أنَّه فاعل {اتَّخَذُوا} والثاني من الوَجْهَيْن الأوَّلين: أنه بيانٌ للموصُول الأوَّل، فتكون «مِن» لِبَيَان الجِنْس.
وقوله تعالى: {مِنْ قَبْلكم} متعلِّق بـ {أوتُوا}؛ لأنَّهم أوتُوا الكِتَاب قَبْلَ المُؤمِنين، والمُرَاد بالكِتَاب: الجِنْس.
وقوله تعالى: {مِنْ قَبْلكم} متعلِّق بـ {أوتُوا}؛ لأنَّهم أوتُوا الكِتَاب قَبْلَ المُؤمِنين، والمُرَاد بالكِتَاب: الجِنْس.
قوله تعالى: {والكُفَّار} قرأ أبُو عَمْرو والكِسَائي: {والكُفَّارِ} بالخَفْض، والباقُون بالنَّصْب، وهما واضِحَتَانِ، فَقِرَاءة الخَفْضِ عَطْفٌ على المَوْصُول المَجْرُور بـ «مِنْ»، ومعناها: أنَّه نَهَاهم أن يتَّخِذُوا المُسْتَهْزِئين أوْلِيَاء، وبَيَّنَ أن المُسْتَهْزِئين صِنفان: أهلُ كتاب متقدِّم، وهم اليَهُود والنَّصارى، وكفارٌ عَبَدة أوْثَان، وإن كان اسم الكُفْر ينطلقُ على الفَرِيقين، إلا أنَّه غَلَبَ على عَبَدَةِ الأوْثان: الكُفَّار، وعلى اليهُود والنَّصارى: أهْل الكِتَاب.
وقال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب} [البينة: 1]، وقال تعالى: {مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلاَ المشركين} [البقرة: 105]، اتَّفقوا على جر {المُشْركين} عَطْفًا على أهْل الكِتَاب، ولم يَعْطف على العَامِل الرَّافع قاله الواحدي.
يعني بذلك: أنَّه أطلق الكُفَّار على أهْلِ الكِتَاب، وعلى عبدةِ الأوْثَانِ المُشْرِكِين، ويدلُّ على أنَّ المُرَاد بالكُفَّار في آية المَائِدة «المُشْرِكُون»، قراءة عبد الله: {ومِنَ الَّذِين أشْرَكُوا} ورُجِّحت قراءة أبِي عَمْرو أيضًا بالقُرْب، فإن المَعْطُوف عليه قرِيب، ورُجِّحَتْ أيضًا بقراءة أبَيّ {وَمِنَ الكُفَّار} بالإتْيَان بـ «مِنْ».
وأما قراءة البَاقِين، فوَجْهُهَا أنَّه عطف على المَوْصُول الأوَّل، أي: لا تَتَّخذُوا المُسْتَهْزِئين، ولا الكُفَّار أوْلِيَاء، فهو كقوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المؤمنين} [آل عمران: 28]، إلاَّ أنه ليس في هذه القراءة تَعَرُّضٌ للإخْبَار باسْتِهْزَاء المُشْرِكين، وهم مُسْتَهْزِئُون أيْضًا، قال تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين} [الحجر: 95] فالمراد به: مُشْرِكوا العرَب، ولوضوح قِرَاءة الجرِّ قال مَكي بن أبِي طالب: «ولولا اتِّفَاقُ الجماعةِ على النَّصْب، لاخترتُ الخَفْض لقوَّته في المَعْنى، ولِقُرْب المَعْطُوف من المَعْطُوف عليه». اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (58):

قوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما عم في بيان استهزائهم جميع الدين، خص روحه وخالصته وسره فقال: {وإذا ناديتم} أي دعا بعضكم الباقين إلى الإقبال إلى الندى وهو المجتمع، فأجابه الباقون بغاية الرغبة، ومنه دار الندوة، أو يكون المعنى أن المؤذن كلم المسلمين برفع صوته كلام من هو معهم في الندى بالقول فأجابوه بالفعل، فكان ذلك مناداة- هذا أصله، فعبر بالغاية التي يكون الاجتماع بها فقال مضمنًا له الانتهاء: {إلى الصلاة} أي التي هي أعظم دعائم الدين، وموصل إلى الملك العظيم، وعاصم بحبلة المتين {اتخذوها} على ما لها من العظمة والجد والبعد من الهزء بغاية هممهم وعزائمهم {هزوًا ولعبًا} فيتعمدون الضحك والسخرية ويقولون: صاحوا كصياح العير- ونحو هذا، وبين سبحانه أن سبب ذلك عدم انتفاعهم بعقولهم فكأنهم لا عقول لهم، وذلك لأن تأملها- في التطهر لها وحسن حال فاعلها عند التلبس بها من التخلي عن الدنيا جملة والإقبال على الحضرة الإلهية، والتحلي بالقراءة لأعظم الكلام، والتخشع والتخضع لملك الملوك الذي لم تخف عظمته على أحد، ولا نازع قط في كبريائه وقدرته منازع- بمجرده كافٍ في اعتقاد حسنها وجلالها وهيبتها وكمالها فقال: {ذلك} أي الأمر العظيم الشناعة {بأنهم قوم} وإن كانوا أقوياء لهم قدرة على القيام في الأمور {لا يعقلون} أي ليست لهم هذه الحقيقة، ولو كان لهم شيء من عقل لعلموا أن النداء بالفم أحسن من التبويق وضرب الناقوس بشيء لا يقاس، وأن التذلل بين يدي الله بالصلاة أمر لا شيء أحسن منه بوجه، وللأذان من الأسرار ما تعجز عنه الأفكار، منه أنه جعل تسع عشرة كلمة، ليكف الله به عن قائله خزنة النار التسعة عشر، وجعلت الإقامة إحدى عشرة كلمة رجاء أن يكون معتقدها رفيقًا لأحد عشر: العشرة المشهود لهم بالجنة، وقطبهم وقطب الوجود كله النبي صلى الله عليه وسلم، وناهيك أن من أسراره أنه جمع الدين كله أصولًا وفروعًا- كما بنت ذلك في كتابي «الإيذان بفتح أسرار التشهد والأذان». اهـ.

.قال الفخر:

لما حكى في الآية الأولى عنهم أنهم اتخذوا دين المسلمين هزوًا ولعبًا ذكر هاهنا بعض ما يتخذونه من هذا الدين هزوًا ولعبًا فقال: {وَإِذَا ناديتم إِلَى الصلاة اتخذوها هُزُوًا وَلَعِبًا}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الثعلبي:

{يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} الآية.
قال الكلبي: كان منادي رسول اللّه إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا وصلوا لا صلوا، ركعوا لا ركعوا، سجدوا لا سجدوا، على طريق الاستهزاء والضحك، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
قال السدي: نزلت في رجل من النصارى كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدًا رسول اللّه، قال: أحرق اللّه الكاذب، فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم وأهله نيام فتطاير منها شرارة في البيت فأحرق البيت وأحرق هو وأهله.
وقال الآخرون: إن الكفار لما سمعوا الأذان كذبوا رسول اللّه والمسلمين على ذلك فدخلوا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد لقد ابتدعت شيئًا لم نسمع به فيما مضى من الأمم الخالية فإن كنت تدّعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياءَ قبلك ولو كان في هذا الأمر خير لكان بادئ ما تركه الناس بعد الأنبياء والرسل قبلك فمن أين لك صياح كصياح البعير فما أقبح من صوت ولا أسمج من كفر، فأنزل اللّه هذه الآية. {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: 33].
فأما بعد الأذان. قال أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر، أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، زياد بن أيوب وأبو بكر بن أبي النضير الأسدي، حجاج بن محمد قال: قال ابن جريح عن نافع عن ابن عمر أبو الحسين قال: أبو العباس السراج، محمد بن سهيل بن عسكر، أبو سعيد الحداد، خالد بن عبد اللّه الواسطي، عن عبد الرحمن بن يحيى عن الزهري عن سالم عن أبيه، وحديث عن الحسن بن شقيق، إسماعيل بن عبيد الخزاعي، محمد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد اللّه بن زيد الأنصاري عن أبيه قال: كان المسلمون حيث قدموا المدينة يجتمعون فيجيبون الصلاة وليس ينادي بهن فتكلموا في ذلك فاستشار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المسلمين فيما يجيبهم الصلاة. فقال بعضهم: يقلب راية فوق رأس المسجد عند الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضًا فلم يعجبه ذلك، وقيل: بل نؤجج نارًا، وقال بعضهم: بل قرن مثل قرن اليهود فكرهه من أجل اليهود وقيل: الناقوس فكرهه من أجل النصارى ولكن عليه قاموا وأمر بالناقوس حتى يجيب.